من منا لا يعرف ذلك الطود الشامخ الذي ذاع صيته بين أبناء البلدة وخارجها وأحبه الجميع نظرا لما تميز به عن غيره في السلوك الراقي والفهم والإفهام وحسن المعاملة والبشر والابتسامة التي لا تفارق محياه فهو أب وأخ وصديق ، ولا يستغني عنه مجلس من مجالس أهل المدينة وهو دائما الحاضر بذاته والحاضر ببداهته،وهو المعروف بالصوت الجهوري والفصاحة والبلاغة .
كما أنه المعروف بعلوم الشريعة والحافظ للشعر قديمه وحديثه صاحب الخطب الرنانة الدسمة المؤثرة ، المواظب على الاستزادة من العلوم دون كلل ذلكم هو الإمام سي البشير العيد إمام المسجد العتيق بمدينة حاسي بحبح لأكثر من ربع قرن.
حياته :
ولد المرحوم سي البشير العيد سنة 1942 . بمدينة المليليحة ولاية الجلفة من عائلة فقيرة تعتمد على الترحال للاسترزاق أول تعليمه كان على يدي والده محمد العيد . فدأب على تخفيضه القران الكريم . وكان رحمه الله تعالى يمتهن الرعي في صغره . وكان القدر يضعه في طريق الأنبياء والصالحين ويعده لحمل رسالة عظيمة الشأن بعد ما كبر قليلا أرسله والده إلى ولاية الجلفة للدراسة على يد شيخه المرحوم سي عطية مسعودي حيث حفظ القران الكريم وتعلم عنه الكثير من علوم الدين كالفقه والتفسير وهو ابن الثامنة عشر ليجوب بعدها العديد من الأمصار والزوايا لتلقي العلوم .
وبعد عودته فتح كتابا لتحفيظ كتاب الله للناشئة من أبناء بلدته وعمل مؤذنا في ذلك السن بمسجد المدينة ثم شد الترحال إلى مدينة البليدة ليكمل تعليمه بمعهد مفتاح وتخرج منه إمام مدرسة . وكان تعينه في بادئ الأمر إماما بمدينة بسكرة حيث بقي هناك مدة ليست بالطويلة لتحمله الأقدار بعدها إلى مدينة حاسي بحبح كإمام بالمسجد الجديد ليستقر بعدها بالمسجد العتيق بقلب المدينة خلفا للإمام سي احمد .
مساره المهني :
بعد تحصل المرحوم على شهادة إمام مدرسا بمعهد مفتاح بالبليدة واستقراره بمدينة حاسي بحبح إماما بالمسجد العتيق ومن خلال نشاطه الدؤوب وإبراز كفاءاته المتعددة الجوانب حاز على شهادة إمام أستاذ او ما يعادل اليسانس ثم صار رئيسا للمجلس العلمي للإفتاء بالدائرة حيث اضحى ملاذ كل سكانها في رغبة في معرفة مسائل علمية تخص حياتهم بشكل أساسي كمسائل الإرث والتركات والحج والبيع والزكاة والزواج والطلاق وغيرها وبعدها اوكل اليه من طرف الهيئة الوصية منصب إداري وهو معتمد الدائرة لدى مديرية الشؤون الدينية والأوقاف وله مكتب خاص داخل حرم المسجد العتيق واثبت قدرته على إدارة شؤون المديرية داخل الدائرة بشكل ملفت للانتباه .
نقاط مضيئة في حياة سي البشير العيد رحمة الله عليه :
1- علمه :
كان رحمه الله متمكنا أيما تمكن من علوم الشريعة واللغة والبلاغة ، واعترف له بذلك القاصي قبل الداني ينتظره الباحثون .
فكان يجيب على أسئلة المصلين أثناء دروسه اليومية داخل المسجد عند انتهاء الدرس ومغادرته يجد من ينتظره خارج المسجد باحثا عن جواب لمسألة ما ،كما كان بيته مفتوحا للجميع وفي كل الأوقات ،واعترف له كل من قصده بالمثابرة على المطالعة والكتابة باستمرار كما اعترف له الجميع بقدرته على توصيل الفكرة بأسلوب يناسب جميع الطبقات وبلغة خالية من اللحن تماما وبفصاحة يشهد لها البلغاء فلا يخلو له درس أو خطبة أو جلسة من أبيات من شعر الحكمة .
2- الجانب الاجتماعي في حياته :
تزوج رحمه الله وهو شاب من أسرة ملتزمة ورزقه الله بأربعة أولاد وبنتين دأب على تنشئتهم على التربية الصحيحة والخلق القويم الادب الرفيع فكانوا كلهم نعم الأبناء . كما كان لين الجانب مع جيرانه وأهل البلدة صغيرهم وكبيرهم لا يمر على جماعة منهم إلا وأفشى السلام على وجهه الكامل وصافحهم وأطلق العنان لنكته الهادفة ، فلا يغادر مكانا أو مجلسا إلا وترك انطباعا رائعا ، ولا يسمع مريضا إلا عاده ولا حاجّا إلا زاره ولا ميّتا إلا عزّا أهله ولا صراعا إلا وشارك في تبديده وجمع له بكل هذا الحب والتقدير والاحترام .
وفاته :
سي البشير رحمه الله كان يمشي بخطا يحسبها العارف خطى مودع ، بدأها بصلاة التراويح في آخر رمضان في حياته حيث صلى بهم الشهر بأكمله على عكس ما مضى وتساؤل الناس عن ذلك ولم يجدوا جوابا ثم أصر على الحج فكان له ذلك ولم يكن أحد يعلم أنها حجة مودع حيث قصده جموع المحبين في بيته بعد عودته ،التي عاد منها مريضا بمرض حاول مقاومته لكنه لازمه الفراش ، وكان يعالج تحت إشراف الطبيب صانع بعين وسارة الذي أمر فيما بعد إلى أخذه إلى العاصمة ببني مسوس لمواصلة علاجه فكان هناك قبلة للكثير من الناس خاصة منهم طلبة الجامعات فضلا عمن رافقه من البلدة وكان العين الساهرة التي تسعى لراحته ولم يكن احد يعلم أن يد القدر ستأخذ هذه الشعلة المضيئة إلى جوار ربها بعد نهاية أرادها الله أن تكون مميزة كتميز صاحبها فبعد رمضان ساخن بالمثابرة الجادة في عبادة الرحمان وحج مبرور ومرض مقعد يأتي يوم الأحد 14 افريل 2002 ليكون آخر يوم في حياة الإمام حيث لفظ أنفاسه على الساعة التاسعة ليلا بحضور من أبناء بلدته .
وهكذا ترك الإمام أثرا بالغا وفراغا رهيبا في نفوس أبناء المدينة حيث انطلقت الصوامع والمحلات تصدع بالقرآن الكريم واكتست المدينة حلة من الحزن بعد سماع الخبر الذي نزل كالصاعقة ، ويشاء القدر مرة أخرى أن يختار له يوم 16 من أفريل المميزة يوما لتوديعه و دفنه إلى مثواه الأخير... حيث شارك في جنازته عدد لا يحصى من الجموع من داخل المدينة ومن خارجها وحتى السلطات المحليةوالولائية ومن الذين الذي تخلو عن العمل أو الدراسة ليوعوا هذا الطود الشامخ وكان ذلك اليوم أشبه بعطلة مدفوعة الأجر وبقي الجميع يحتفظ له بالعديد من المواقف الايجابية كما تحتفظ له الجزائر بظهوره على الشاشة في حديث ديني , ولكي تخلد ذكراه سمي باسمه مسجد هو الآن في نهاية الأشغال .
فرحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته .